الأدب

بين السماء والأرض

كتب في : الأربعاء 22 فبراير 2017 - 12:27 صباحاً بقلم : فاطمة الزهراء نعيم

 

حين ارتفعت الطائرة عن الأرض وتركت المجال الدنيوي والبشرى وأصبحت بين السماء والأرض تسير في هدوء وثبات لم تكن تلك الراكبة في هدوء ولا ثبات فبمجرد أن ايقنت أنها غادرت حقاً دون لقاء ولا سلام دون عتاب ولا تصالح وتملكها الحنين الذي لم يروى زاد الضغط عليها وبدأ ينخفض وينخفض كلما أرتفعت الطائرة ساعات الرحلة مرت في صراع مع ضيق النفس وغثيان وضربات قلب سريعة تكاد تخترق الجسد من قوتها وأصبح الجسد كما لو كان لوح جليد جالس علي مقعد صغير محوط بحزام الأمان وماهو بأمان بل هو في أحتضار بين السماء والأرض

كم هو مؤلم ان يشعر إنسان انه يغادر حياته في الكون الفضاء لم يودع أحبابه حين غادر وَلَن يلقي أحبابه حين يصل بل ان فارق الحياة سيكون فاقد لكل الأحاسيس والكلام ،، تارك كل مافي الحياة مقبل علي عالم اخر روحاني ليس معه الا عمله

لم تكن هذه المرة الأولي لركوبها الطائرة ولكنها المرة الأولي التي شعرت فيها أنها ضيفة في بيتها غريبة في بلدها وحيدة مقطوعة من جذرها وبالرغم من الرفاهية والابتسامة طوال الرحلة الا ان الوجع كان يسكن قلبها ويمتلكها دون ان تنتبه له

عجيب أمرنا نتحدث ونكتب مالا نفعل ،، نرسم القوة والعزيمة والتحدى ونحن ضعاف أمام الأختبار والأبتلاء

ومهما حاولنا إظهار عكس مابداخلنا أبدته علينا فطرة الله فينا الحب والأحتياج والحنين والألفة والتواصل الجميل الطيب

كلها مشاعر أفتقدتها بالرغم من القوة والكبرياء الظاهر عليها والحقيقة انها لم تصمد حين أصبحت بين السماء والأرض بل ثار عليها قلبها وقلب عاداتها في السفر

كلما نظرت من شباك الطائرة رأت المدن مازالت صغيره مجرد أضواء تخبر أن هناك دنيا فيزيد ضيق النفس ويثقل الحجر علي صدرها انها مازالت في السماء والوقت يمر كالسلحفاة ولا تعلم أهو الأحتضار أم مازال في العمر حتي تري أولادها  وتموت بينهم علي الارض التي خلقت منها

لم تمسك جهازها الشخصي لتكتب ولَم تمسك كتاب لتقرأ بل أمسكت بيد المضيفة التي جلست بجانبها تمسك  لها جهاز الأكسجين حتي تستطيع التنفس  محاولة أن تدفء جسدها المثلج

كانت هذه عاداتها في الطائرة واليوم تبدلت كل عادة بشئ يوحي للنهاية

أنتهت الساعات الطويلة ولمست الطائرة الأرض الحمد لله مازال في العمر بقيه وظنت أنها ستسير علي أقدامها ،، لا تريد أن تلقي أبنائها علي كرسي متحرك ولكن لم تستطع مازال القلب يرسل إشارات التمرد والغضب ويثور عليها

خرجت من الطائرة علي الكرسي المتحرك ومن المطار الي المستشفي لعل قلبها يهدأ ونبضها يعمل بأنتظام 

كان هذا بأستسلام تام لم ترفض الذهاب للمستشفي لان العودة للحياة منحه من الله لا تتكرر ولأن الحياة أحق ان نحياها مادام فيها أحب الناس لقلوبنا ،، مادام فيها أولي الناس بوجودنا معهم ورعايتنا لهم

#فاطمة_الزهراء_نعيم

بداية الصفحة