أخبار عاجلة

أسر «عسَّاف ياجوري».. كيف زلزلت «المصيدة» صفوف الجيش الإسرائيلي؟

كتب في : السبت 14 اكتوبر 2017 - 12:49 صباحاً بقلم : نادر مجاهد

جريمة ارسال بياناتك تسجيلسجل عبر الفيسبوكسجل عبر تويتر 44 عامًا مرت على يوم العبور العظيم للجيش المصري لقناة السويس، مستردا «سيناءه» من قبضة عدو جبان، وعلى طول الجبهة رسم الجيش المصري ملحمة لن يكررها التاريخ...

عبقرية العبور وقفت خلفه أجهزة وصلت الليل بالنهار للتخطيط لكل صغيرة وكبيرة، ولجأت أجهزة المخابرات المصرية لـ«المكر الاستخباراتي»، في سبيل تجهيز الجبهتين الداخلية والعسكرية للحرب دون أن يلفت انتباه العدو.. وفي سبيل إلقاء الضوء على تلك "الحيل" ننشر حلقات تباعا.

 

عقب نكسة يونيو 1976، اعتمدت إسرائيل بشكل كبير على العامل النفسي لكسر ما تبقى من معنويات المصريين، من خلال التباهي بنصرها وجيشها الأسطوري، واستيلائه على سيناء كاملة في بِضع ساعات، وذلك في محاولة منها للتأثير على معنويات أفراد الجيش المصري، وبث روح الضعف والانهزام في أعماقه، ولذلك قررت المخابرات المصرية عام 1972 أن تُنشئ الإذاعة العبرية، لتبرز بطولات الجيش المصري في حرب الاستنزاف، والخسائر الفادحة التي كانت تلحق بالعدو الإسرائيلي، ولم تكن الإذاعة العبرية أمرا وليدا، فقد بدأ إرسالها أول مرة عام 1953، ولكنها كانت تُبث لنصف ساعة يوميا. وفي منتصف عام 1972، أصبحت الإذاعة العبرية تُبث لـ12 ساعة يوميا، وأصبحت برامجها مثيرة ومشوقة، واستطاعت جذب آلاف الإسرائيليين، ولأن الإذاعة العبرية لم تكن تهاجم السياسة الإسرائيلية، أو تدعو للتمرد عليها بشكل مباشر، حظيت بشعبية جارفة، وما إن اندلعت حرب أكتوبر 1973، حتى بدأ الدور الحقيقي في الظهور.

 

ففي صباح أحد أيام حرب أكتوبر، خرجت الصحف المصرية تعلن وقوع ضابط المدرعات الإسرائيلية "عساف ياجوري"، في الأسر، والذي كان يقود لواء دبابات كاملاً، مدعما بوحدات مدفعية ذاتية الحركة، ومضادة للدبابات والطائرات، وكان أسره ضربة قاصمة لسلاح المدرعات الإسرائيلية.

 

وأعلن البيان العسكري، أن "عساف" عقيد في الجيش الإسرائيلي، ولكن الحقيقة كانت مختلفة، فـ"عساف" كانت رتبته مقدم، ولم يكن ذلك خطأ في البيان العسكري الرسمي، وإنما كان جزءا في خطة عبقرية بسيطة، لتوجيه ضربة قوية إلى الروح المعنوية الإسرائيلية، كجزء من الحرب النفسية والتي بلغت ذروتها في أيام المعركة.

 

فعند أسر "عساف ياجوري"، أدرك رجال المخابرات المصرية، أن هذا الخبر كافٍ ببث الكثير من القلق والتوتر وسط جنود الجيش الإسرائيلي، وفي قلب المجتمع الصهيوني، الذي على يقين بأن جيشه لا يُقهر، فما الحال بأسر كبار ضباطه.. ولكن كيف يمكن إثبات وقوع "عساف" في الأسر؟

 

بالرغم من أن التليفزيون المصري، سيجري لقاء مع الضابط المأسور، فإن إرسال التليفزيون لم يكن في ذلك الوقت من القوة للوصول إلى قلب إسرائيل، وهذا يعني أن المصريين فقط هم من سيشاهدونه، ويمكن للإسرائيليين نفي الأمر وإنكاره، واتهام الجانب المصري بتلفيق الحدث كله للتأثير على معنويات الجيش والشعب الإسرائيلي.

 

كانت خطة المخابرات كما ذكرها الكاتب نبيل فاروق في كتابه (الدرس) تعتمد على دفع الجانب الإسرائيلي بالاعتراف بأسر "عساف ياجوري"، عن طريق إثارة شك حقيقي في نفوسهم بعدم  أسر ضابطهم فعليا، ليسارعوا بالتشكيك في الأمر وإنكاره، وعندما يعلنون نفيهم للخبر يتم مفاجأتهم بدليل لا يقبل الشك، فيضطرون للاعتراف بأسر ضابطهم، مما يكون له أكبر الأثر في تحطيم معنوياتهم وتوجيه ضربة قاصمة لجبهتهم الداخلية.

 

وتفاصيل الخطة بسيطة، فهي تتضمن منح الضابط المأسور رتبة تخالف رتبته الحقيقية، ولأن العدو يعلم جيدا أن أول شيء يجيب عنه الأسير اسمه ورتبته، فيتصورون بأننا لم نلق القبض عليه فعليا، وسيسارعون بنفي خبر أسره.

 

وبالفعل ما إن أعلن المتحدث العسكري عن رتبة "عساف" غير الحقيقية، اعتقد الموساد الإسرائيلي بأن ضابطهم لم يُؤسر بالفعل، وكان الأرجح بالنسبة لهم، أن "عساف" قد لقي مصرعه مع لواء دباباته الذي دُمر أكثر من نصفه.

 

ولذلك سارع الجانب الإسرائيلي بإعلان أن "عساف" لم يُؤسر، وفي نفس اللحظة التي تم فيها نفي الخبر من قِبل الكيان الصهيوني، كان التليفزيون المصري بصدد عقد لقاء مع الضابط الإسرائيلي، وتم بث اللقاء عبر الإذاعة العبرية، بل واستطاعوا الحصول على هاتف زوجة "عساف" وبناته، وأجروا معهن مداخلة هاتفية للتأكيد بأن من يتكلم عبر الإذاعة العبرية هو "عساف ياجوري" بنفسه.

 

مما اضطر الجانب الإسرائيلي إلى إعلان سقوط ضابطهم في الأسر، وكانت صدمة عنيفة في قلب إسرائيل، لتكشف زيف أسطورة جيشهم الذي لا يُقهر، بل مجرد جيش عادي لدولة استعمارية، سقط وانهار عندما دخل في مواجهة مباشرة مع الجيش المصري.

 

بداية الصفحة