حوادث

بين حرية الرأي وجنايات الإنترنت.. متى يقع البلوجر تحت طائلة القانون؟

كتب في : الخميس 07 اغسطس 2025 - 7:09 مساءً بقلم : المصرية للأخبار

 

قال محمد زكي أبو ليلة الخبير القانوني، إن حرية التعبير تُعد من الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، وقد كفلها الدستور المصري بوضوح، حيث تنص المادة (65) على أن: "حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

وأضاف أبو ليلة أن هذه الحرية، وإن كانت حقًا أصيلًا، إلا أنها ليست حرية مطلقة تُمارس دون ضوابط، بل تخضع لمجموعة من القيود القانونية التي تهدف إلى حماية النظام العام، وصون القيم المجتمعية، والحفاظ على حقوق الآخرين. وهنا يكمن التوازن الذي تسعى إليه الدولة بين صون الحقوق الدستورية وتنظيمها بما لا يخل بسلامة المجتمع.

وأوضح أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في حالات القبض على بعض صُناع المحتوى – أو ما يُعرف بـ "البلوجرز" – على خلفية نشرهم محتوى مرئي أو مكتوب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرته السلطات خادشًا للقيم المجتمعية أو مخالفًا للقانون. الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والإعلامية بين من يرى أن ذلك يُعد انتهاكًا لحرية التعبير، ومن يعتبره ضرورة للحد من ما يسمى "الانفلات الرقمي" الذي قد يهدد البنية الأخلاقية والسلم الاجتماعي.

وأكد أبو ليلة أن حرية التعبير لا يجوز أن تتحول إلى أداة للإساءة، أو وسيلة للتحريض، أو ذريعة لهدم القيم والثوابت، مشيرًا إلى أن المحكمة الدستورية العليا أكدت في العديد من أحكامها أن حرية الرأي يجب أن تُمارس في إطار من الاحترام للغير، وعدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة.

وأشار الخبير القانوني إلى أن هناك العديد من النصوص القانونية التي تُنظم هذا الإطار، وعلى رأسها المادة 188 من قانون العقوبات التي تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد... أخبارًا أو بيانات كاذبة، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو الإضرار بالمصلحة العامة".

كما لفت إلى المادة 102 مكرر من ذات القانون، والتي تعاقب على إذاعة الإشاعات الكاذبة وتغليظ العقوبة إذا تم ارتكاب الجريمة في وقت الحرب، بالإضافة إلى معاقبة من يحوز أو يوزع مواد مطبوعة أو مسجلة تحتوي على ما يخالف هذه الأحكام.

ونوّه أبو ليلة إلى أن المشرّع المصري أدرك مبكرًا خطورة المحتوى الرقمي وتأثيره، ولذلك جاء قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ليضع قواعد صارمة، وخاصة في المادة 25 التي تعاقب على "الاعتداء على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري عبر الإنترنت" بالحبس والغرامة، وكذلك المادة 27 التي تطال كل من أنشأ أو أدار موقعًا إلكترونيًا بغرض تسهيل ارتكاب جريمة.

وأكد أن الإشكالية القانونية والأخلاقية في قضايا البلوجرز تتمحور حول طبيعة المحتوى ذاته، إذ أن بعض المحتوى قد يُصنف في صورته الظاهرة على أنه فكاهي أو ساخر، إلا أن تجاوزه لحدود معينة – كالسخرية من القيم أو التحريض على العنف أو الترويج للانحراف – ينزع عنه الغطاء القانوني لحرية التعبير، ويضع صاحبه تحت طائلة المساءلة الجنائية.

وتابع أبو ليلة قائلًا: "يجب أن نُدرك أن البلوجر اليوم لم يعد مجرد مستخدم عادي للإنترنت، بل هو مؤثر رقمي يمتلك قدرة على التأثير في سلوكيات ومعتقدات فئات كبيرة من المتابعين، لا سيما من الشباب والمراهقين. وبالتالي، فإن مسؤوليته القانونية والاجتماعية تصبح أكبر، ويُنظر إلى أفعاله من منظور يتعدى الفرد إلى المجتمع ككل".

وأوضح أن قانون الإعلام رقم 180 لسنة 2018 قد ذهب في هذا الاتجاه، إذ نص على معاملة الحسابات الشخصية التي يتجاوز عدد متابعيها 5000 متابع كوسيلة إعلامية، وبالتالي فإن ما يُنشر عبرها يُخضع صاحبها لرقابة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ويُرتب عليه مسؤولية قانونية قد تصل إلى مستوى العقوبات المقررة للمؤسسات الصحفية.

وبيّن أن أغلب البلاغات والتحقيقات التي تُفتح في قضايا البلوجرز تتضمن حزمة من الاتهامات المتداخلة، من بينها:

نشر أخبار كاذبة (المادة 188 عقوبات)

التحريض على الفسق والفجور (المادتان 269 و278)

الاعتداء على القيم الأسرية (مادة 25 من قانون الإنترنت)

السب والقذف والتشهير (المواد 302–308 من قانون العقوبات)

كما أشار إلى أن العقوبات قد تتضاعف إذا ثبت أن المحتوى المنشور قد حقق انتشارًا واسعًا، أو أن صاحبه تعمد التأثير على فئة بعينها لتحقيق ربح مادي أو شهرة زائفة، وهو ما يُعد ظرفًا مشددًا في نظر القضاء.

وشدد الخبير القانوني محمد زكي أبو ليلة على أن تغليظ العقوبة لا يُعد قيدًا على حرية التعبير بمفهومها الدستوري، بل يُعد تنظيمًا لها، ووسيلة لحماية المجتمع من سوء استغلال أدوات التواصل الرقمي، مؤكدًا على أن الحرية ينبغي أن تُمارس بوعي، وأن تُقابل دائمًا بمسؤولية قانونية وأخلاقية.

واختتم بالإشارة إلى الدور الفاعل الذي باتت تلعبه النيابة العامة المصرية، خصوصًا في ظل إطلاق منصتها الرقمية، حيث تتلقى البلاغات المتعلقة بالمحتوى المسيء، وتباشر التحقيق وفق القوانين السارية، وقد تصدر قرارات بالحبس أو الإخلاء بكفالة بحسب جسامة الفعل ومدى تأثيره على السلم العام.

بداية الصفحة