عالم
واشنطن تجهض 6 قرارات دولية لإنقاذ غزة.. الفيتو الأمريكي يحاصر الفلسطينيين

ساد الصمت القاعة عندما أضاءت النتائج على اللوحة الرقمية داخل قاعة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: 14 دولة تؤيد وقف إطلاق النار في غزة، وواحدة تعارضه.
وجاء «الرفض» الوحيد، كما هو متوقع، من الولايات المتحدة. وللمرة السادسة في أقل من عام، أسكت فيتو واشنطن ما كان يمكن أن يكون شريان حياة لملايين الفلسطينيين المحاصرين بين أنقاض الحرب وجوعها.
◄ الولايات المتحدة تمنح إسرائيل صفقة سلاح بـ6.4 مليار دولار
◄ قيم الحرية وحقوق الإنسان تنهار أمام المصالح المالية
خارج تلك الجدران، استعدت عائلات غزة لليلة أخرى من القصف الإسرائيلي الوحشى، بينما في واشنطن دارت الآليات السياسية بإيقاع مختلف تمامًا؛ تبرعات الحملات الانتخابية تتدفق، وعقود الدفاع تبرم، وإدارة تدفع بحزمة أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار للجيش نفسه الذى يشن الحرب التي أراد العالم إيقافها. لم يكن الأمر صراعًا دبلوماسيًا بقدر ما كان صراعًا بين المال والنفوذ والسلطة، حيث تصطدم حيلة الديمقراطية الأمريكية بالواقع القاسي الذي تمارسه فى الخارج.
منذ التصعيد الكامل للحرب في غزة، عرضت على مجلس الأمن قرارات متكررة تطالب بوقف إطلاق النار، وإتاحة وصول غير محدود للمساعدات الإنسانية، والإفراج عن المحتجزين. وفى كل مرة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لإسقاطها. أحدثها، فى منتصف سبتمبر، دعا إلى وقف إطلاق النار، ورفع قيود المساعدات عن غزة، والإفراج غير المشروط واللائق عن جميع المحتجزين. ويزعم المسئولون الأمريكيون أن هذه القرارات معيبة؛ إما لأنها لا تدين حماس بما يكفى، أو لأنها لا تؤكد بوضوح على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها».
لكن الثمن بات واضحًا أكثر فأكثر؛ مجاعة مؤكدة فى غزة، وتشريد جماعى، وكارثة إنسانية يرى كثيرون أن الولايات المتحدة تحميها حتى من خلال الفيتو، وفقًا لوكالة «رويترز».
◄ صفقة السلاح
مع تراكم الفيتو، يتزايد كذلك الدعم المادى الأمريكى لإسرائيل. ففي الأسبوع ذاته الذي صدر فيه الفيتو السادس، أبلغت إدارة الرئيس «دونالد ترامب» الكونجرس رسميًا بنيتها بيع ما يقارب 6.4 مليار دولار من الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل.
وتشمل الصفقة 3.8 مليار دولار لشراء 30 مروحية هجومية من طراز AH-64 أباتشى، وما يقرب من 1.9 مليار دولار لأكثر من 3200 مركبة مشاة قتالية، بالإضافة إلى 750 مليون دولار لقطع غيار، وناقلات جنود مدرعة، ومعدات تزويد بالطاقة. ليست هذه مجرد صفقة أسلحة؛ إنها إعلان أولويات.
ففى وقت تتصاعد فيه موجات الغضب العالمي، وتزداد المأساة الإنسانية سوءًا، وتتعمق عزلة إسرائيل الدبلوماسية بسبب سلوكها في غزة، تمضى الولايات المتحدة في تعميق التزامها. الدبلوماسية، ونداءات وقف إطلاق النار، والمطالبات الإنسانية، إما يسقطها الفيتو، أو تتجاوز، أو تطغى عليها الأموال. يظل تدفق المساعدات إلى غزة محدودًا بشدة، وتستمر الخسائر بين المدنيين، والحرب لا تنتهى.
كل هذا الدعم لا ينبع فقط من اعتبارات استراتيجية؛ بل هناك بنية داخلية تموله. في مقدمتها لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، جماعة ضغط قوية تضخ الأموال بشكل منهجى في السياسة الأمريكية لتوجيه موقف الكونجرس تجاه إسرائيل.
في النصف الأول من عام 2025، أسهمت اللجنة السياسية التابعة لأيباك بأكثر من 17.58 مليون دولار لأعضاء الكونجرس ومرشحين فيدراليين أمريكيين وفقًا لملفها المقدم إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية. الهدف المعلن: دعم مليارات الدولارات في المساعدات العسكرية لإسرائيل وضمان استمرار واشنطن كراعية لحربها.
◄ أبرز المستفيدين
أحد أبرز المستفيدين كان رئيس مجلس النواب «مايك جونسون»، الذي تلقى 625 ألف دولار عبر لجان جمع التبرعات التابعة له فى تلك الفترة، بحسب ما ذكره موقع Sludge الأمريكى. وبشكل عام، خلال دورة 2024، دعمت أيباك 361 مرشحًا مؤيدًا لإسرائيل من الحزبين بمساهمات مباشرة بلغت 53 مليون دولار، وفقًا للموقع الرسمى لأيباك.
وعلى بُعد آلاف الأميال، تلمس السياسة الأمريكية بعمق في غزة؛ أما في واشنطن، فتتوالى الأحداث المتشابكة بتوتر مماثل. وعود بمحاربة الفساد، بفرض المحاسبة، بحماية المبلغين، كلها تعلن بصوت عالٍ، لكن في الخفاء، تظل أنظمة المحاباة والتمويل السياسي وحماية النفوذ متينة. تمامًا كما تصر واشنطن على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها حتى في مواجهة اتهامات بانتهاك القانون الدولى، يتكرر فى الداخل مشهد الإصرار على سيادة القانون الذي يتعثر كلما تعلق الأمر بنقادها، أو مموليها، أو الموالين لها. من العفو عن شخصيات بارزة ذات روابط سياسية، إلى اضطهاد المبلغين من قبل الوكالات، إلى لجان تحقيق تصدر تقارير دون محاكمات، النمط واحد: خطاب أخلاقى ناصع، فيما يضمن الولاء أن تتماشى الأفعال مع مقتضيات المصالح.
وما يتضح هنا هو مسرح مزدوج: أحدهما تعرض فيه قيم الديمقراطية الأمريكية؛ العدالة، المساءلة، حقوق الإنسان؛ والآخر يُدار فيه الواقع الفعلى للقوة، المال، التحالفات العسكرية، الجمود المؤسسى.
وفى حالة غزة، يبدو التناقض صارخًا على المسرح العالمي؛ قرارات لوقف إطلاق النار وتقديم الإغاثة الإنسانية، حظيت بتأييد شبه كامل من أعضاء مجلس الأمن، أسقطها الفيتو الأمريكي. وفي الداخل، صفقات سلاح ضخمة، وتبرعات هائلة من لجان سياسية، وبنية ضغط تضمن التوافق السياسي.