العالم العربى
غزة تحتفل بوقف الحرب بعد عامين من الإبادة.. وتكتب من رمادها «حكاية حياة»

بعد عامين من الحرب المدمّرة التي حوّلت غزة إلى أنقاض، وأسفرت عن عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، تنفّس الفلسطينيون فجر اليوم الصعداء مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من الهدوء بعد أطول وأعنف مواجهة في تاريخ القطاع.
وأعاد الاتفاق الذي تم بوساطة مصرية ـــ قطرية ـــ أمريكية، الأمل للفلسطينيين، وفتح الباب أمام مرحلة من إعادة الإعمار وعودة النازحين إلى منازلهم، وسط مشاهد إنسانية مؤثرة عبرت عن عمق المعاناة التي عاشها القطاع طوال عامين من القصف والحصار الإسرائيلي الغاشم، لتبدأ صفحة جديدة، يحدوها الأمل في أن تُطوى صفحة الحرب تماما، وأن تستعيد غزة حقها في الحياة مرة أخرى.
كيف احتفلت غزة بوقف الحرب؟
منذ فجر اليوم، تحوّلت شوارع غزة إلى مشهد استثنائي مزيج من الفرح والذهول، بعد أن سمع الناس عبر مكبرات الصوت خبر التوصل إلى الاتفاق لوقف إطلاق النار.
ورغم انقطاع الإنترنت وتأخر وصول الأخبار في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي، بدأت موجات الفرح تنتشر تدريجيًا من الجنوب إلى الشمال، وسط صرخات التكبير والزغاريد.
ووفقًا لتقارير وكالة «أسوشيتد برس»، أعرب نازحون فلسطينيون عن أملهم في أن يسمح الاتفاق، الذي أُعلن عنه رسميًا من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعودتهم إلى منازلهم وإنهاء معاناتهم داخل مراكز الإيواء.
وقال المتحدث باسم "اليونيسف" في غزة: إن "الارتياح بدا واضحًا في وجوه الناس منذ اللحظات الأولى لإعلان الهدنة"، مؤكدًا أن الأطفال "كانوا أول من شعر بالفرق بعد عامين من الرعب المتواصل".
رقص وغناء في شوارع خان يونس
في مدينة خان يونس جنوب القطاع المكلوم، خرج المئات من الأهالي إلى الشوارع في ساعات الفجر الأولى، يغنون ويرقصون في الظلام احتفالًا بوقف إطلاق النار، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».
قال أيمن صابر، وهو من سكان المدينة فقد منزله في القصف: "سنعيد بناء البيت، وسنعيد بناء غزة من جديد".
بينما أعرب المواطن خالد شعت عن المشهد بقوله: "هذه لحظات تاريخية طال انتظارها بعد عامين من الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بكل غطرسة ضد الشعب الفلسطيني".
أهالي غزة: ننتظر العودة لمنازلنا
لم تقتصر مشاعر الفرح على خان يونس وحدها، إذ أعرب سكان القطاع كافة عن ارتياحهم الكبير، مؤكدين أن "كل غزة سعيدة بهذا الاتفاق".
أما أحمد شهيبر، وهو نازح من مخيم جباليا، فقال: "إنه يوم عظيم، فرحة كبيرة، ننتظر فقط لحظة العودة إلى منازلنا بعد عامين من الغياب القسري".
الأطفال.. أبطال المشهد الإنساني
في مدينة غزة، وثّقت عدسات الكاميرات لحظات مؤثرة لأطفال يبتسمون وسط الركام بعد إعلان وقف الحرب في غزة.
في أحد مقاطع الفيديو، ظهرت فتيات صغيرات يعربون عن سعادتهن قائلين: "هنرجع بيوتنا أخيرًا".
وقالت إحداهن وهي تبتسم للكاميرا: "قضينا عامين في الحرب، تعبنا… الآن سنعود أخيرا".
صمت ما بعد العاصفة
«كأنها ليلة العيد وأجمل»، هكذا وصف سكان غزة لحظتهم بعد توقف القصف، وفق شهادات نقلتها وسائل إعلام فلسطينية.
اختلطت الدموع بالابتسامات، والأطفال لوّحوا بالأعلام فوق الركام، بينما علت الزغاريد من مراكز الإيواء.
عامان من الحرب حصدت «أرقام موجعة»
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فقد أدت الحرب إلى استشهاد أكثر من 67 ألف فلسطيني، بينهم آلاف النساء والأطفال، فيما أُصيب أكثر من 169 ألفًا، وسط تقديرات تشير إلى أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى.
وفي سبتمبر الماضي، خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل ارتكبت «جرائم إبادة جماعية» بحق سكان غزة، وهي النتيجة التي دعمتها منظمات حقوقية دولية، بينما رفضتها الحكومة الإسرائيلية واعتبرتها "منحازة".
غزة تكتب من رمادها «حكاية حياة»
وبعد أن تقرّر وقف الحرب في غزة، تتوقف إراقة الدماء، وتخمد صرخات الأطفال والنساء والشيوخ العُزّل، وتتوقف آلة الدمار التي التهمت غزة على مدى عامين من القصف والمعاناة.
عامان من حربٍ غاشمة شنّتها إسرائيل على قطاعٍ محاصر، سيبقيان شاهدين على واقعٍ ترك آثارًا عميقة على المدنيين الفلسطينيين العُزل، وعلى معاناةٍ طالت الأطفال والنساء وكبار السن، ودفعت آلاف العائلات إلى النزوح تحت وطأة القصف والدمار،، عامان من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي وثّقتها منظمات دولية، وأسفرت عن دمارٍ واسعٍ وخسائر بشرية جسيمة، بما مثّل انتهاكا صارخًا للقوانين والأعراف الإنسانية والدولية.
ولطالما وُصفت إسرائيل بأنها قوة احتلال، كما ورد في قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي أكدت أن الأراضي الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، هي أراضٍ محتلة وفقًا للقانون الدولي، وقد أشارت «منظمة العفو الدولية»، و«هيومن رايتس ووتش»، في تقارير سابقة إلى أن استمرار السيطرة الإسرائيلية على هذه الأراضي، وما يصاحبها من انتهاكات بحق المدنيين، يُعد خرقًا واضحًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني.
فلن تنسى ذاكرة العالم وجوه الأطفال الذين رحلوا، ولا الأرحام التي أُزهقت فيها الحياة، لن تُنسى قصص التهجير والتجويع والتنقل من مدينة إلى أخرى، في أرضٍ يعترف بها الكثير من دول العالم بأنها فلسطينية.
ولن تُمحى من ذاكرة التاريخ والصحف العالمية مشاهد الانتهاكات التي وقعت على مرأى ومسمع العالم، من قصف المدنيين والصحفيين وطواقم الإسعاف والدفاع المدني في قطاع غزة، إلى تدمير المستشفيات والمنازل فوق ساكنيها، والتي سُجلت ورُصدت بالصوت والصورة أمام أعين العالم، لتبقى شاهدًا على مرحلة دامية من الصراع.
واليوم، بعد عامين كاملين من حرب الإبادة الإسرائيلية، تُطوى صفحة دامية من تاريخ غزة.. صفحة كتبت بدم وصمود الفلسطينيين على أرضهم، ليبدأ فصل جديد بوقف إطلاق النار بوساطة وجهود مصرية وقطرية وأمريكية أعادت الأمل في الحياة، إلى القطاع الجريح.