تقارير
لا تهجير.. لا تصفية.. لا مساس بسيناء | مصر تنتفض ضد أوهام «إسرائيل الكبرى»

لم تكن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عما سمّاه «إسرائيل الكبرى» سوى إعلان فجّ عن أطماع استعمارية ظلّت تتخفّى خلف لغة الأمن والاستيطان، الآن خرج المشروع إلى العلن «إعادة رسم خرائط المنطقة على أنقاض غزة، وفرض واقع ديموغرافي جديد يبتلع الحق الفلسطيني ويُهدد أمن مصر والعرب جميعًا» في مواجهة هذا الوهم.
جاء بيان وزارة الخارجية المصرية ليضع النقاط فوق الحروف «لا تهجير.. لا تصفية.. لا مساس بسيناء» ثم أضاف بيان 31 دولة عربية وإسلامية ثقله القانوني والسياسي، ليكشف للعالم أن ما يطرحه نتنياهو ليس «مشروع سلام» بل جريمة مُكتملة الأركان ضد القانون الدولي وحق الشعوب.
◄ القاهرة حائط الصد أمام مخططات تل أبيب لنسف القضية الفلسطينية
◄ 31 دولة عربية وإسلامية ترد على نتنياهو: «مشروعكم جريمة لا سلام»
◄ اصطفاف عربي نادر ضد مـُحاولات الضم وخطاب مصري لا يعرف التراجع
مصر، بتاريخها وموقعها ودورها، ليست مُجرد طرف معنى بالقضية، بل هى حائط الصد الأول أمام أى محاولة لابتلاع فلسطين أو تصدير الأزمة إلى حدودها، وما تحتاجه اللحظة ليس فقط بيانات الإدانة، بل اصطفاف وطنى شامل يُعيد توجيه البوصلة نحو القضية المركزية، فلنتوحد حول ثوابتنا التاريخية فى رفض التهجير والتصفية أو نترك للآخرين رسم خرائط أوطاننا على مقاس أوهامهم، ومصر، كما أثبتت مرارًا، لن تسمح بأن تُرسم خرائطها بغير يد أبنائها.
■ آلة الحرب الإسرائيلية تغير الواقع الدبموغرافي بالأراضي المُحتلة
◄ تغيير الواقع الديمغرافي
لقد أعاد نتنياهو، إشعال جدل خطير بتصريحاته حول ما وصفه بمُخطط «إسرائيل الكبرى»، في إشارة إلى مشروع توسعى يستهدف إعادة تشكيل الخرائط الديموغرافية والجغرافية بالمنطقة، ويؤكد المُحللون أن هذه التصريحات ليست زلة لسان، وإنما تعكس جوهر الفكر الصهيوني الذي يُعتبر أن الحروب وسيلة لإعادة هندسة الشرق الأوسط، بدءًا من غزة وانتهاءً بدول الجوار، وكما يُشير الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ السياسى، فإن هذه التصريحات تذكّر بخطط الحركة الصهيونية منذ بدايات القرن العشرين تحت شعار «من النيل إلى الفرات» فهى ليست خرافة بل أطماع مُترسخة، واليوم يحاول نتنياهو أن يضفى عليها غطاء الشرعية عبر الحرب والخرائط، مُشيدًا بتصريحات وزير الخارجية، الدكتور بدر عبد العاطى، والتى شدد فيها على أن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا عبر إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن أى محاولات لفرض حلول قسرية أو تغييرات ديموغرافية لن يُكتب لها النجاح.
◄ إدراك الخطورة
وقال الدسوقي، إن البيان المصرى يعكس إدراكًا مُبكرًا لخطورة المرحلة، لافتًا إلى أن القاهرة تُحذر منذ أكتوبر 2023 من مُخطط التهجير، وتتعامل معه باعتباره تهديدًا مُباشرًا للأمن القومى، وليس مُجرد قضية إنسانية مُرتبطة بالفلسطينيين، مُشيرًا إلى أن الموقف ضد هذه الأوهام لم يقتصر على القاهرة وحدها؛ فقد أصدرت 31 دولة عربية وإسلامية بيانًا مشتركًا أدان تصريحات نتنياهو، ورفض أى إجراءات أحادية لتغيير هوية الأراضى المُحتلة، وأكد أن الاستيطان والضم مُخالفان للقانون الدولى، ولقرارات مجلس الأمن، خصوصًا القرار 2334، منوهًا بأن هذا البيان يعكس اصطفافًا عربيًا نادرًا، فاجتماع 31 دولة على موقف موحد يضع إسرائيل فى عزلة سياسية، ويؤكد أن العرب والإسلام يملكون أدوات الردع السياسى حين تتوافر الإرادة.
السفير محمد العرابى، وزير الخارجية الأسبق، يؤكد أن ما يطرحه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حول ما يُسمى بـ«إسرائيل الكبرى» مُجرد وهم لن يجد فرصة للتحقُق، مُشددًا على أن إسرائيل بسياساتها الحالية غير مقبولة بالإقليم، وغير مؤهلة على الإطلاق لتحقيق هذا الوهم، وعليها أن تعمل وفق مُحددات الإقليم المُتمثلة فى السلام والاستقرار والتنمية، لافتًا إلى أن القضية الفلسطينية تُعد مكونًا رئيسيًا فى السياسة الخارجية المصرية وفى الاستراتيجية الوطنية للحفاظ على الأمن القومى، منوهًا بأن مصر تبذل كل ما بوسعها لتحقيق الأمن والاستقرار فى محيطها الإقليمى، ولا تدخر جهدًا فى المُساعدة على نزع فتيل التوتر وإعلاء لغة الحوار، والجهود المصرية لدعم القضية الفلسطينية لا تتوقف، سواء على المستوى الرئاسى أو على مستوى وزير الخارجية، حيث تمثل مصر حائط الصد الأول أمام محاولات تصفية القضية، موضحًا أنه لا يُمكن لأحد أن يُشكك فى الدور المصرى الداعم للقضية الفلسطينية تحت أى ظرف، وهو ما يحظى باعتراف وإشادة إقليمية وفلسطينية ودولية.
■ الاحتلال يمحو ملامح غزة لتنفيذ أطماعه الاستعمارية
◄ 3 مسارات مصرية
الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، يُلخص الدور المصرى فى ثلاثة مسارات مُتكاملة، أولها المسار السياسى «القانونى» عبر الدفع بمظلة عربية ودولية تستند إلى قرارات مجلس الأمن، وتفعيل الآليات القانونية ضد جرائم التهجير والتجويع، والمسار الأمنى «السيادى» بإغلاق الباب أمام أى محاولات لفرض سيناريو التهجير إلى سيناء، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى، أكثر من مرة بأن «أمن مصر خط أحمر»، والثالث المسار الإنسانى «الوسيط» حيث تواصل القاهرة جهودها فى التهدئة وتبادل الأسرى وإدخال المُساعدات، مع التشديد على أن الحل لا يكمن فى إدارة الأزمة بل فى إنهائها سياسيًا، موضحًا أن مصر تجمع فى تحركاتها بين القوة الناعمة والصلابة الأمنية، فهى تقدم نفسها كوسيط مسئول، وفى الوقت نفسه تُعلن أن أرضها ليست ساحة لتصفية الحسابات.
أضاف فهمي، أن التصعيد الإسرائيلي في غزة ترافق مع طرح سيناريوهات لإعادة احتلال القطاع وتغيير بنيته الإدارية، وهذه الطروحات تكشف أن الهدف الحقيقى للحرب ليس فقط إسكات حماس، وإنما إعادة تشكيل الخريطة السياسية والجغرافية، فالحرب على غزة ليست حربًا تكتيكية، بل استراتيجية تهدف لتغيير المشهد الديموغرافى، ومن هنا تأتى خطورة تصريحات نتنياهو الأخيرة.
الدكتور أحمد فؤاد أنور، الخبير في الشأن الإسرائيلى، وصف تصريحات نتنياهو بأنها إفلاس سياسى يهدف لدغدغة مشاعر المُتطرفين، وأن حديث نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى» غير مُحدد أساسًا في التوراة، ونتنياهو لا يستطيع إجبار المقاومة في غزة على رفع الراية البيضاء أو تحقيق أهداف الحرب، مُعتبرًا أن كل ما يدور حاليًا من قبيل الحرب النفسية حيث يتحدث عن احتلال ما تبقى من قطاع غزة، مُشددًا على أن هذه التصريحات تكشف عزم إسرائيل على تنفيذ أطماعها التوسعية دون احترام لأى قوانين أو اتفاقيات، وتكشف الهدف الأساسى من استمرار الحرب على غزة، كما أن هذه التصريحات تقوض أى جهود لاستعادة الهدوء فى المنطقة، وأن فكرة استباحة الدول لتحقيق أحلام إسرائيلية أمر يجب التصدى له على المستويين الإقليمى والدولى.
◄ علامات استفهام
النائب طارق رضوان، رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، شدد على أن البرلمان يقف خلف القيادة السياسية فى رفض التهجير ورفض المساس بالحقوق الفلسطينية، وقال إن البرلمان يُعبر عن ضمير الشعب المصرى الذى لا يقبل المساس بالقضية الفلسطينية، ويُدرك أن أى تهجير قسرى من غزة إلى سيناء يعنى نسفًا للأمن القومى المصرى والعربى، مؤكدًا أن موقف مصر لا يقوم فقط على البعد القومى أو الأخلاقى، بل أيضًا على منطلقات أمن قومى بحتة، فمن يظن أن مصر تدافع عن الفلسطينيين فقط واهم.. مصر تدافع أولًا عن أمنها، لأن سيناريو التهجير يعنى استنزافًا دائمًا لسيناء وتحويلها إلى قنبلة موقوتة، مُضيفًا أن المشهد الراهن يفرض على الداخل المصرى ضرورة تعزيز الاصطفاف الوطني، فكل الأطياف السياسية والمجتمعية مطالبة بأن تلتقى على قاسم مشترك وهو الدفاع عن الثوابت القومية المصرية، فهذا ليس وقت الخلافات الداخلية، وإنما وقت الاصطفاف خلف القيادة لمواجهة مشروع يستهدف بقاءنا.
ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، يُشير إلى أن توقيت هذه التصريحات يُثير علامات استفهام كبرى فلماذا الآن؟ هل هى رسالة تحدٍ للعرب؟ أم تمهيد لخطط ضم وتهويد جديدة؟ وربما إعادة رسم خرائط المنطقة؟ مُضيفًا أن هذه الجرأة الإسرائيلية ما كانت لتحدث لولا الدعم الكامل الذى يُقدمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لنتنياهو، والذى وفر له غطاءً سياسيًا غير مسبوق، إضافة إلى الهرولة العربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وهو ما شجع حكومة العدو على الإعلان العلنى عن أحلامها التوسعية ومخططاتها الصهيونية أمام العالم، ولفت إلى أن ما قاله نتنياهو فى مقابلة إعلامية وتم بثه للعالم هو برنامج عمل سياسى وعسكرى يُنفذ على الأرض خطوة خطوة، وتساءل «إلى متى سيبقى المُجتمع الدولى صامتًا أمام هذا الاستخفاف بالقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة؟ وإلى متى ستبقى قضايا العرب عرضة للاستهانة فى ظل غياب رد فعلى عربى ودولى حقيقي؟ موضحًا أن ما قاله نتنياهو إنذار جديد، وعلى العرب جميعًا أن يدركوا أن عدوهم لا يخفى أطماعه، وأن مشروعه واضح قائم على ابتلاع الأرض، وتصفية القضية الفلسطينية، وتغيير خرائط المنطقة.