الأدب

عالم مُتَرَبِّص

كتب في : الأحد 14 مايو 2023 - 12:37 صباحاً بقلم : حنان فاروق العجمى

 

أرخِ قبضتك من الآن فلم يَعُد هناك مَنْ يهتم

أعلم أنك كُنت تشعُر بذلك منذ زمن طويل، ولكنك كُنتَ تُكَذِّب ذاتك، كُنتَ تُكَذِّبِ الأقوال، والأفعال، الصور، والحقائق

كُنتَ تُكَذِّبَ حتى عين الشمس التي رأت الأحداث، وكانت شاهدة عليها

عزيزي فليبق مَنْ يبقى وليرحل مَنْ يرحل، كل ما عليك هو ترك الباب مفتوحًا على مصراعيه

لا تُعذِّب نفسك، ولا تجلدها من أجل مَنْ لا يستحق

كل ساقٍ سيُسقى مما سقى، ومن نفس الإناء تلك هي الحقيقة المطلقة، آمن بها، وكُن على يقين من عدالة السماء

وتلك الأيام نُداولها بين الناس، لا تتعجل سيطرق الباب قريبًا مَنْ استغنى، وستكون أنت عنه أغنى

عشرات الحكايات، ومطر من الكلمات، واتهامات، وطاقات سلبية تعترض طريقك ، بُعد لأُناس، وقُرب لآخرين، منذ آدم وهذا حال البشر، مَنْ يريد الوصال سيصلك، ومَنْ أراد مصلحة دَعهِ يأخذها، وينصرف

ليس لديك الوقت، ولا الصحة النفسية، أو البدنية لتقف عند هذا الهراء

براءة الملامح ، نقاء السريرة، لا يستطيع مخلوق على وجه الأرض تغييرهم، فهذا سر الله في خلقه

أعطى لإنسان الصفاء والروح الطيبة وغضب على آخر فجعل الغل والحقد يخرج من صدره

العفو عند المقدرة ، فاض العفو ولم يَعُد بالمقدرة، فلم يحضنا الله على العفو لنختنق به، فقد قال تعالى

"يريد الله أن يُخفف عنكم وخُلق الإنسان ضعيفا"

لا تُثقل كاهلك بمن لا يُقَدِّر قيمتك، فقط اصمت ففي الصمت حكمة تجعلك لا تُقلل من نفسك وتحفظ لك كرامتك، وبنفس الوقت تجعلك لا تتفوه بكلمات توقعك بالخطأ، وتُفقدك حقك، فلا تدع مجالا لقلب المائدة عليك، بل ضع عليها أطباقك وزينها بالورود واتركهم يتعجبون، واملأ روحك بالثقة لن يستطيع أحد النَّيْل منك

لا تَكُن عفويا دائمًا فيستضعفك الآخرون، بل ابن لنفسك سور الأمان النفسي الذي لا يستطيع أحد اختراقه أو هدمه

بقاؤك بالمنطقة الآمنة يُدَعِّمك جيدًا، فلا يجرؤ المُستأسدون على الاقتراب منك أو نهشك

هناك نوع من البشر مُنتهى الراحة النفسية لهم هو إلقاء عُقدهم النفسية على مَنْ يتعاملون معهم، هو مُجرَّد نقل طاقات ليس أكثر للوصول لنشوة سعادة الروح، فكل ما يجول في خاطر هؤلاء المرضى هو لماذا نحن فقط تنتابنا مشاعر سلبية أو حزينة يرون أن العدل هو إلقاء تلك الطاقات الكئيبة على مَنْ يشعرون بالرضا، والسلام النفسي، ويحمدون الله، لا يهمهم أفعالهم تجاه الآخرين ، لا يهتمون بأثر نفثهم سمومهم عليهم، إنها أنانية المشاعر، وسادية الأفكار

التَّلذذ بتعاسة الآخر لعدم استطاعته الوصول لما وصل إليه الآخر وهو التسليم، وعين الرضا، الذي لا يصل إليه إنسان بسهولة إلا بعد مروره بتجارب شتى، وصعاب أخذت منه الكثير، واستطاع خلال ذلك رتق ثغرات آلمته، ونخرت طويلًا في جسده، كل حفر، وكل علامة، كل خيبة أمل، كل وجع قد أكسبه خبرة ساهمت في توفيق أوضاعه، وإمكانية التعايش مع عالمه المحيط، جهاد النفس أخذ منهم الكثير، كبت مشاعر الغضب، تَحَمُّل العدوان عليهم دون سبب واضح، ومواجهته

سواء النفس لا يأتي إلا بالإيمان بالذات، أما الخواء العقلي، وعدم الثقة بالنفس، والتَّحَفُّز الدائم لإطلاق القذائف العشوائية المؤذية على مَنْ لا ذنب لهم سوى أنهم عقلاء لا يقابلون الإساءة بالإساءة لا يأتي إلا بتدمير العلاقات ، والخراب، وبث مشاعر الكراهية، فلكل فعل رد فعل، والتهاون والتسامح في الحق دائمًا يجعل منك فريسة سهلة للانقضاض عليها وافتراسها، بعض الشدة مطلوب ، الثبات على وجوب احترام الآخر لك، فلست ورقة كل مَنْ يعبُر يُلقي بكلمة منه على سطورها رغمًا عنك، ويُبرر أنه لا يقصد الإساءة إليك إن كانت أفعاله مُسيئة، ولست مُجبرًا على تَحَمُّل مزاجه السئ بحجة صداقته أو قُربه منك، فقريب الروح لا يؤذي، بل يتمنى لك الأفضل، ويحافظ على شعورك، ويساندك لا يسعى لهدمك، أو ممارسة حرب الأعصاب معك، وأنك ستتحمل كل شيء صادر عنه، ومنه بحجة الصداقة أو القرابة، أو العشرة، أو لدماثة خُلقك، وتسامحك مع الجميع ، لست مَطيَّة بل كيان، وروح إنسانية مُكرَّمة

إن تنازلت مرة تأكد ستُطالب بالتنازل مدى الحياة، ولن يرحمك أحد بزعم أنك الصبور الطيب المِعطاء، وسيكون هناك المزيد من الضغط الذي سوف يُمارس عليك دون شفقة، لا تجعل من نفسك قضبان تحت عجلات قطار يركبه الآخرون.

 

بداية الصفحة